يوم في صيام الشيخ ابن باز رحمه الله :
يتضاعف نشاط سماحة الشيخ ، وبذلُه ، وإحسانه ، وعبادته في المواسم الفاضلة كرمضان ، ووقت الحج؛ ففي رمضان يكثر سماحته من قراءة القرآن الكريم ، والدعاء والذكر ، والتهليل ، والتسبيح ، وكل عمل فيه أجر؛ فهو يبدأ يومه بتناول وجبة السحور ، ثم يذهب لصلاة الفجر مع الجماعة في المسجد ، وبعد الصلاة والإتيان بأذكار الصباح يعود إلى المنزل؛ لإنجاز بعض المعاملات المهمة ، وقراءة الكتب ، والبحوث وغيرها. وإذا بدأ وقت الدوام الرسمي ذهب إلى المكتب في الرئاسة ، وكثيراً ما يأتي إلى مقر العمل قبل بدء الدوام الرسمي ، ويواصل حتى نهاية الدوام. وإذا عاد من العمل اتجه إلى المسجد لأداء صلاة العصر ، فيظل يقرأ القرآن حتى تؤدى الصلاة ، وبعد الصلاة تقرأ عليه بعض الكتب ثم يعلق عليها ، ويجيب على الأسئلة الموجهة إليه ، ثم يتجه إلى منزله ، ويدخل داخل المنزل لأخذ الراحة. وقبل الأذان بعشر دقائق أو أكثر يأتي سماحته إلى مجلسه استعداداً للإفطار ، وفي تلك الأثناء يجيب على الأسئلة الموجهة إليه مباشرةً من الحاضرين ، أو التي تَرِدُ عبر الهاتف ، وإلا اشتغل بالذكر والدعاء. ويتناول مع سماحته الإفطار عدد كبير من الضيوف ، والفقراء ، والمساكين أو ذوي الحاجات الذين يتراوح عددهم ما بين الخمسين إلى المائة ، وهذا إذا كان في الرياض ، أما إذا كان في مكة في آخر الشهر فإن عدد الذين يتناولون معه الإفطار يتراوح ما بين المائتين إلى الثلاثمائة. وإذا أُذِّن بالمغرب تناول الحاضرون الإفطار على مائدة سماحته وهو بينهم. وبعد الإفطار يتوجه إلى المسجد ، وبعد الصلاة يعود إلى بيته ، وينظر في حاجات الناس ، ويرد على أسئلتهم ، واستفساراتهم. وقبل أذان العشاء يتناول الحاضرون طعام العشاء على مأدبة سماحته ، ثم يدخل سماحته منزله بعد الأذان ، ويتوضأ ، ويتجه إلى المسجد ، وبعد أداء تحية المسجد يقرأ عليه الإمام كتاباً من الكتب التي تتعلق بأحكام الصيام إما من كتاب الصيام من بلوغ المرام لابن حجر ، أو المنتقى لمجد الدين أبي البركات ابن تيميه ، أو مجالس شهر رمضان للعلامة الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله . وبعد القراءة يعلق سماحته على ما قرئ ، ثم يستقبل الأسئلة ويجيب عليها ، ثم يصلي الفريضة مع الإمام ، ويؤدي السنة الراتبة ، ويواصل صلاة التراويح مع الإمام. وبعد الانتهاء من الصلاة يتوجه إلى منزله ، ويستقبل أهل الحاجات ، ويجيب عن الأسئلة مشافهة أو عبر الهاتف ، وينجز العديد من المعاملات المختلفة ، وربما تخلل ذلك الوقت بعض الاجتماعات داخل مكتبة المنزل ، أو تسجيل برنامج نور على الدرب ، أو غيره. هذا إذا كان باقياً في منزله ، وإلا قد يذهب إلى مقر اللجنة الدائمة في رئاسة الإفتاء ، ويمكث بعد صلاة التراويح هناك ساعتين أو ثلاث ساعات. وفي الساعة العاشرة والنصف أو الحادية عشرة يدخل بيته؛ لأخذ نصيب من الراحة ، وفي آخر الليل يقوم لتناول وجبة السحور وهكذا. . وربما لا ينام طيلة اليوم في رمضان إلا أربع ساعات. وفي العشر الأواخر يتوجه إلى مكة لأداء العمرة ، والبقاء في مكة إلى نهاية رمضان. هذه نبذة مختصرة لنظامه في شهر رمضان ، وإلا فإن تفصيل ما يحدث في مجالسه قد مضى عند الحديث عن صفة مجلسه. وخلال شهر رمضان ينجز من الأعمال ما يفوق الوصف ، وما يعجز عنه الجماعة من أولي القوة من الرجال. ويتضاعف عمله في العشر الأواخر أكثر وأكثر ، فإذا ذهب إلى مكة في العشر الأواخر تزاحم الناس عليه ، وأقبلوا بحاجاتهم وسؤالاتهم إليه. ومما يحضرني في هذا الشأن أن سماحته رحمه الله ذهب في ليلة السابع والعشرين من رمضان لأداء صلاة التراويح في المسجد الحرام ، وذلك عام 1412هـ تقريباً ، وقد صلى سماحته في الدور العلوي للحرم ، ولما انتهى من صلاة التراويح ورآه الناس ، وتسامعوا بوجوده هناك أقبلوا عليه أرسالاً تلو أرسال. وكنا معه في سطح الحرم ، وكان عددنا ستة أشخاص ، وحاولنا بكل ما نستطيع أن نبعد الناس عنه ، أو نخففهم أو ننظم سلامهم عليه فما استطعنا ، حتى كدنا نشتبك مع الناس؛ لأننا خفنا على سماحة الشيخ ، بل لقد ضاق عليه النَّفَس ، فَرُفِع على كرسي حتى يشم الهواء. ولما رأينا صعوبة نزوله مع السلم الكهربائي أنزلناه عبر المصعد الذي يستعمله العمال الذين يعملون في الحرم ، وما إن وصل سماحته إلى المصعد إلا وهو يتصبب عرقاً من زحام الناس ، وما إن نزلنا إلى الأرض في ساحات الحرم الخارجية إلا والناس يتسابقون ويلتفون حوله. وبالتي واللتيا تمكن سماحته من ركوب السيارة بعد أن اسود ثوبه من عرقه ، وعرق الناس ، وتزاحمهم عليه. والعجيب في الأمر أن سماحة الشيخ لم يفارقه هدوؤه ، ولا سكينته ، بل كان يبتسم ، ولا يزيد على أن يقول: هداهم الله